.

google-site-verification: google3f17a5111aec7d77.html

الحرية و المسؤولية


الحرية و المسؤولية
الإنسان هو أولا ما صمم أن يكون عليه كمشروع ، وليس ما أراد أن يكون ، لأن ما نعنيه عادة بالإرادة هو القرار الواعي ، وهو بالنسبة إلى الأغلبية منا لاحق بوجوده لما صنعه بنفسه . فيمكنني أن أريد الانتماء إلى أحد الأحزاب ، أو تأليف كتاب أو الزواج ، فإن ذلك كله ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أكثر عراقة وتلقائية مما نسميه إرادة. فان كان الوجود يسبق حقيقة الماهية ، فالإنسان مسؤول عن وجوده الذي هو عليه . وهكذا فان أول ما تسعى الوجودية إليه هو أن تجعل كل إنسان مالكا لوجوده ، وأن تحمله المسؤولية الكاملة عن وجوده . وحينما نقول إن الإنسان مسؤول عن ذاته ، فإننا لا نعنى بذلك أنه مسؤول عن ذاتيته فحسب ، بل إننا نعني أيضا أنه مسؤول عن جميع الناس (...) وحينما نقول إن الإنسان يختار ذاته ، فإننا نعني أن كل فرد منا يختار ذاته ، ونحن لا نعني بذلك أنه يختار لنفسه فحسب ، بل هو يختار أيضا لجميع الناس . والواقع أنه ليس ثمة فعل من أفعالنا لا يكون من شأنه ، حين يبدع الإنسان الذي نريد أن نكونه ، أن يبدع في الوقت نفسه صورة للإنسان على نحو ما نريده على أن يكون . فأن نختار أن نكون هذا الإنسان أو ذاك ، هو أن نؤكد في نفس الوقت قيمة اختيارنا ، لأننا لا نستطيع أبدا أن نختار الشر. إن ما نختاره هو دائما الخير ، ولا شيء يمكن أن يكون حسنا بالنسبة إلينا إن لم يكن حسنا بالنسبة إلى الجميع . ومن ناحية أخرى ، إذا كان الوجود يسبق الماهية ، وان كنا نريد أن نوجد بنفس الوقت الذي نصنع فيه صورتنا ، فان هذه الصورة تصبح صالحة للجميع ولعصرنا برمته . وإذن فان مسؤوليتنا لهي في الحقيقة أعظم بكثير مما نظن ، لأنها تلزم الإنسانية بأسرها. فإذا كنت عاملا واخترت بالأحرى الانتماء إلى نقابة مسيحية من أن أكون شيوعيا ، وإذا كنت أريد بهذا الانتماء بيان أن الخضوع هو في الحقيقة أفضل ما يناسب الإنسان من حلول ، وأن مملكة الإنسان ليست على الأرض ، فإنني لا أكون بذلك قد ألزمت نفسي فحسب ، بل أريد أن استسلم فأكون قدوة للجميع ، ويكون بالتالي مسلكي قد ألزم الإنسانية قاطبة. وإذا أردت أن أتزوج - وهذا الشأن شخصي أكثر- وأن أنجب أطفالا ، وحتى إذا كان هذا الزواج متوقفا فقط على وضعي الخاص وعلى هواي أو رغبتي ، فان ذلك لا يلزمني وحدي بل يلزم الإنسانية جمعاء بالسيّر معي على طريق الزواج الأحادي . ومعنى هذا أنني مسؤول أمام نفسي وتجاه الآخرين ، وأنا أبدع صورة خاصة للإنسان أتخيرها لنفسي . و إذ أختار لنفسي ، فإنني اختار الإنسان .
ج .ب . سارتر


شاركه على جوجل بلس

عن مدونة همسات العشاق

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق